منتدى سيد الثقلين
بسم الله الرحمن الرحيم
يسر ادارة منتدى سيد الثقلين دعوة جميع زوارها الكرام بالانضمام الينا
لنكون سويا في بيت الحبيب صلى الله عليه وسلم
فتحيا بكم دار السنة وتنير بكم منابر الحق
فدمتم في الدار اهلا وللسنة سندا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى سيد الثقلين
بسم الله الرحمن الرحيم
يسر ادارة منتدى سيد الثقلين دعوة جميع زوارها الكرام بالانضمام الينا
لنكون سويا في بيت الحبيب صلى الله عليه وسلم
فتحيا بكم دار السنة وتنير بكم منابر الحق
فدمتم في الدار اهلا وللسنة سندا
منتدى سيد الثقلين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد

اذهب الى الأسفل

وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد Empty وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد

مُساهمة  asim السبت 19 فبراير - 17:25

وسائل الدعوة بين التوقيف والاجتهاد
حامد بن عبدالله العلي
الطبعة الثانية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , والصلاة والسلام على المبعوث شاهدا ومبشرا ونذيرا.

وبعد:

فأصل هذه الرسالة الصغيرة ، محاضرة بعنوان (وسائل الدعوة) في الكويت ضمن ندوة شاركت فيها بعض الأخوة الأفاضل بدعوة كريمة من جمعية إحياء التراث الموقرة ، ثم استخرنا الله تعالى في طباعتها ليعم الانتفاع بها بتوفيق من الله تعالى .

أولا : التعريف بالمفردات

(وسائل الدعوة ) كلمه مركبة من كلمتين , وسائل وهي مضاف ، والدعوة وهي المضاف إليه , ولا يعرف المقصود من هذا التركيب الإضافي إلا بعد معرفة معنى كل كلمة منه.

تعريف الوسائل :

أما الوسائل : فهي جمع وسيلة من (وسل إذا رغب والواسل الراغب إلى الله عز وجل وقال لبيد بل كل ذي دين إلى الله واسل) معجم مقاييس اللغة 6/110

(والوسيلة : المنزلة عند الملك والدرجة والقربة ، ووسل إلى الله تعالى توسيلا عمل عملا تقرب به إليه كتوسل ) القاموس 4/63

( والوسيلة : ما يتقرب به إلى الغير والجمع الوسيل والوسائل والتوسل واحد يقال وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة تقرب إليه بعمل ) الصحاح 5/1841

وفي اللسان : (هي في الأصل ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به ) 11/752

فالكلمة تدور على ( ما يتوصل به إلى الشيء المطلوب ) , فهو الوسيلة إليه , ومن هنا أطلق على الرغبة والقربة ، وسمى الراغب واسلا لأنه يطلب شيئا يرغب فيه ، فيسلك ما يوصله إليه.

وقوله في اللسان (ما يتوصل به إلى الشيء) أي كل ما من شانه أن يوصل إلى المقصود من الطرق والأساليب والأفعال والأقوال ونحو ذلك فكلها وسائل ويسمى كل واحد منها وسيلة .

تعريف الدعوة:

الدعوة من دعا يدعو , ومعنى الكلمة يدور على (الطلب) ومنه الدعوة إلى الطعام , وفي القاموس (دعاه ساقه) 4/322 وفيه (الداعية صريخ الخيل في الحروب)4/322 وفي اللسان : ( تدعى القوم دعى بعضهم بعضــا حتى يجتمعوا ) 14/259 وفي الصحاح : ( داعية اللبن ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده )5/2237.

فالدعوة إذن طلب الشيء والحث عليه والسوق إليه , فإذا دعوتهم إلى الدين فأنت تطلبهم لامتثاله وتحثهم على اعتناقه وتسوقهم إلى تحقيقه في حياتهم .

وبهذا يدخل في معنى الدعوة , دعاء الناس إلى الدين وتعليمهم ما فيه من الهدي ، وتحقيق ذلك في حياتهم وواقعهم كما في قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة :2)

فالنبي صلي الله عليه وسلم يتلو آيات الله ، ويتابع أثرها علي من يدعوهم بالتعليم المستمر ، ويزكيهم أي يسعي في تحقيق هذه التعاليم في واقع حياتهم ، فالتزكية هي غاية الدعوة كما قال تعالي (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) وقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) ومعلوم أن حصول الفلاح هو غاية الدعوة كما يصف الله تعالى المؤمنين بالمفلحين في مواضع كثيرة في القران.ولهذا يأتي في القران تسمية هذا المطلب الشرعي أيضا (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وهو بمعني الدعوة , لأنه طلب حصول المعروف في الواقع بالأمر به وزوال المنكر بالنهي عنه , وجاء في السنة الأمر بالتغيير أيضا ، أي تغيير واقع الناس إلى أن يكون وفق مقاصد الدعوة الإسلامية ، موافقا لما في الشريعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في حديث ابي سعيد : "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم وأصحاب السنن ..


خلاصة ما تقدم في تعريف الدعوة :

الدعوة هي طلب تغيير الوقع الحياتي للناس بالقول والفعل ليكون موافقا للشريعة في جميع نواحي الحياة .

وبهذا يكون مفهوم الدعوة كما يدل عليه النصوص الشرعية أعم من مجرد إلقاء القول إلى الناس وكفى، وإن كان هذا من الدعوة بل هو أصلها , لكن ليس هذا فحسب , بل يدخل في مفهومها هذا الذي هو التبليغ ,والتربية والتعليم لتكوين النماذج الإنسانية التي تتمثل فيها الناس في جميع ميادين الحياة.

تحقيق أهداف الدعوة واجب الدولة في الإسلام:

وبهذا تكون الدولة في الإسلام هي أول من يناط به تحقيق أهداف الدعوة وإظهار الدعوة الإسلامية على الدين كله أول واجباتها ، وقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)التوبة :33

وكذلك كانت الدولة في الصدر الأول وفي العصور التي كانت فيها الدولة الإسلامية تعد الدعوة إلى الله – بالمفهوم السابق- أهم واجباتها وسر وجودها ، وكانت تقوم من خلال مؤسساتها بتحقيق جميع ما يدخل تحت معنى الآية السابقة مما اسم الدين الحق في الواقع الحياة .

فكانت تأمر بالمعروف وتقيم شعائره وتحمل الناس عليه بالترغيب والترهيب ، وتنهى عن المنكر وتغيره وتدفع الناس عليه بالترغيب والترهيب والقول ، ولو لم يتغير إلا بالقتال- في بعض الصور - سلكت سبيل القتال ، كقتال أهل الردة والبغي وأهل الحرابة والطائفة الممتنعة عن بعض شعائر الإسلام كما لو تواطأت طائفة على الامتناع عن أداء الزكاة أو الآذان وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه من كتب الفقه.

وكذلك تحمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى خارج حدودها وهو الجهاد , جهاد الطلب , فتحمل الناس في الأرض على الخضوع للدين الحق كما قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).

ويدخل تحت هذا كله إرسال الدعاة ونصب القضاة والأئمة للفتيا , وإقامة الحدود وتجنيد الجنود , وما يلزم لذلك من الوسائل والتراتيب الإدارية وغيرها.




معني وسائل الدعوة:

ويتبين مما تقدم أن وسائل الدعوة هي كل الطرق والأسباب التي من شأنها أن تجعل الدعوة الإسلامية ، واقعا متحققا في الحياة سواء كانت أسبابا شرعية أمر الله بها أو ندب إليها في الكتاب والسنة ، و كونية دل الشرع على إباحتها وجعلها الله كونا وقدرا تقتضي مسبباتها التي تكون في هذه الحال هدفا من أهداف الدعوة.

وهي بهذا الاعتبار تكون شرعية أيضا من جهة أن الشريعة دلت على إباحتها ، ودلت نصوصها العامة على شرعية استعمالها في تحقيق مقاصد الشريعة .

وسائل الدعوة يصعب حصرها:

وبهذا يتبين أن وسائل الدعوة ، بالمفهوم الشامل الذي بيناه ، والذي دلت عليه النصوص الشرعية ، يصعب دخولها تحت الحصر ، فإن الأسباب والطرق التي يتوصل بها إلى تمثل المعروف في الحياة وزوال المنكر بقدر الاستطاعة كثيرة جدا ومتغيرة جدا ، فإن الله تعالى قد أجرى سننه الكونية على تغير كثير من الأسباب بتغير الزمان والمكان ، فقد يكون من الأسباب ما يقتضي حصول مسببات لم يكن يمكن حصولها في أزمان مضت , بل إن منها ما لم يسبق زمن بحصولها قط , مثل ما يستعمل الآن من السلاح في الحروب فإنه يحصل به من تحقيق أهداف الحرب ما لم يمكن في الماضي ، منه ما يقضي على الأمة العظيمة من الجند بلحظة واحدة ، ومعلوم أن هذا لم يكن قط ليتحقق في الأسباب العادية الطبيعية في جميع العصور السابقة منذ بدأت الحروب بين البشر.

وسائل تحسين الجيوش الإسلامية من وسائل الدعوة:

وكذلك وسائل تحسين الجيوش وإدارتها وتقسيم الجند والقادة وما يلزم في ذلك من التراتيب الإدارية وأنظمة الجزاء والتعزير والعقوبات العسكرية وغيرها ، ما هو كثير يصعب حصره وخاضع للتغير والتطوير المستمر.

ومعلوم أن ذلك كله من وسائل الدعوة ، ما يحتاج إليه المسلمون من الأسباب والطرق التي تقتضيها ظروف العصر لتحصيل العلوم الشرعية وتمكين حملتها من ممارسة دورهم في المجتمعات وإدخالهم في مؤسسات الدولة ليتمكنوا من خلالها من إيصال الدعوة الإسلامية .

مثل إنشاء الكليات الجامعية ، وإدارتها بأساليب الإدارة الحديثة التي يكون غالبها مما أحدثه غير المسلمين ، ومنحهم الشهادات على النظام التي تعترف به الدولة وقد يكون من الأنظمة المستوردة من غير بلاد المسلمين.

ولهذا رأي من رأى من العلماء جواز استعمال نظام منح الشهادات العليا في العلوم الذي يستعملها غير المسلمين ،ولا تعترف غالب الدول الإسلامية إلا به ، استعماله نفسه في علوم الشريعة ، مثل ما يسمي (الماجستير والدكتوراه) بنفس الترتيب الإداري الذي أحدثه أولئك ، ليتمكن حملة العلوم الشرعية بواسطته من تبوء المراكز العلمية التي تخولهم لإحداث التغير الذي ينشدون في مجتمعاتهم.

بل إن منهم من يدرس في البلاد النصرانية ويحصل على الشهادات العليا الشرعية من هناك ، وإنما يمنحه إياها جامعات تتبع دول النصارى ويكون ذلك عنده من الوسائل المباحة التي بها يتوصل إلى دعوة الناس إلى دين الإسلام وسائل تنظيم الإدارات في الدولة .

ويدخل تحت وسائل الدعوة - إذا اعتبرنا الدولة الإسلامية ما هي إلا المؤسسة العليا المنوط بها القيام بالدعوة الإسلامية – كل ما تحتاجه الدولة من وسائل معنوية ومادية وإدارية ، حتى أساليب الإدارة الحديثة التي تدرس اليوم في كليات متخصصة وينال الدارسون فيها شهادات إدارية ، وكذا ما تحتاجه الدولة من ذلك لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونظام العقوبات الشرعية وترتيب إدارات القضاء والفتيا وتقسيم العاملين في ذلك كله وفق أنظمة العمل المعمول بها في العالم ، إذا لم يخالف شيء من ذلك الشريعة المطهرة.

ومعلوم أن هذا لا بد منه للدولة في العصر الحديث حتى لو كانت تدين بتحكيم الشريعة في كل شئون الدولة .

وأن هذه كله مما يصح دخوله تحت اسم الوسائل وأن ما يتحقق به هو نفسه أهداف الدعوة الإسلامية إذا كان ذلك ضمن عمل الدولة الإسلامية

وسائل الدعوة في عمل الجماعات الإسلامية :

وإذا كانت الدولة في الإسلام يجوز لها استعمال كل الوسائل المباحة للتوصل إلى ترجمة التعاليم الإسلامية إلى واقع عملي وهو حقيقة عمل الدعوة.

فالأمر فيما يتعلق بعمل الجماعات التي تتحرك لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية التي لا تكون الدولة فيها تدين بتحكيم الشريعة , لا يختلف إذ لا وجه لاختلافه البتة ، فيصير تحت يديها كل ما لم ينص على تحريمه من الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها ، وكل التراتيب الإدارية الحديثة في تنظيم العمل الدعوى وأنظمة الإدارة التي تتطور ويتوصل الباحثون فيها إلى أساليب أكثر فعالية كلما تطور الزمان.


كما أن للدعوة الإسلامية أن تستعمل الوسائل الإعلامية المتطورة إذا خلت من المحاذير الشرعية ، وقد تحتاج إلى ابتكار أساليب ووسائل جديدة أو تقتبس من ما توصل إليه غير المسلمين من وسائل والأسباب التي سكت عنا الشرع لإنجاح أعمال الدعوة في المجتمع ، كما فعل أولئك الذين اقتبسوا نظام التعليم عن غير المسلمين ، وجعلوا علوم الشريعة منتظمة تحته كوسيلة لتحقيق هدف التعليم الشرعي في الأمة ، بما يناسب العصر .

التخريج الشرعي لوسائل الدعوة:

وقد يظن ممن لم يتمعن في لوازم ما يقول أن الوسائل المتعلقة بالدعوة إلى الله ينبغي أن تكون توقيفية لأن الدعوة إلى الله أمر شرعي داخل تحت اسم العبادة والعبادة توقيفية فوسائلها كذلك ينبغي أن تكون توقيفية .

ومعلوم أن التوقيفي هو ما يتوقف العمل به على النص الخاص وما لا يصح فيه استعمال القياس.

وليتبين ما في هذا القول من مجانية الصواب ، مع أنه قد يصدر من أفضل أهل العلم ، لا بد من تناول المسألة من بابها اشرعي حسب قواعد الفقه وأصوله.

علاقة وسائل الدعوة بأفعال النبي صلي الله عليه وسلم:

ويبدو في ظاهر الأمر أن الوسائل التي استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته في زمانه ، تدخل في حكم أفعاله ، لأن الوسائل غالبا ما تكون أفعالا وطرقا استعملها صلى الله عليه وسلم لتحقيق أهداف دعوته ، وقبل أن نبين العلاقة بين وسائل الدعوة وأفعاله صلى الله عليه وسلم ، لا بد من تقديم بيان موجز لأفعال النبي صلي الله عليه وسلم وكيف يستدل بها على الأحكام.








أقسام الفعل النبوي:

وقد قسم العلماء أفعاله صلي الله عليه وسلم إلى عشرة أقسام :

- الفعل الجبلي

- الفعل العادي

- الفعل الدنيوي

- الفعل المعجز

- الفعل الخاص

- الفعل البياني المراد منه بيان مشكل أو مجمل في الأحكام الشرعية

- الفعل الامتثالي الذي يقصد به مجرد الامتثال لطلب معلوم

- الفعل المؤقت في انتظار الوحي ، كإهلاله مطلقا قبل نزول الوحي في يمينه.

- و الفعل المتعدي كتحريكه صلى الله عليه وسلم لابن عباس في الصلاة من يساره إلى يمينه.

- و الفعل المبتدأ المجرد وهو الذي لا يقارنه قول ولا يدخل في الأقسام التسعة السابقة والصحيح أنه يدل على الإباحة فقط ولا يستدل بمجرده على الاستحباب .






متعلقات الفعل النبوي:

وذكر العلماء أيضا ما يسمى متعلقات الفعل النبوي وذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا مع التلبس بأمور مختلفة مثل:

1- يقع لسبب معين

2- يقع من فاعل هو الرسول صلى الله عليه وسلم

3- يقع متعديا إلى مفعول

4- لا بد أن يقع في زمان معين ومكان معين

5- وعلى هيئة معينة

6- وقد يستعمل فيه آله وعناصر مادية معينة

7- وقد يقارنه أمور تقع معه

8- وقد يقع الفعل مرة أو مرات معلومة أو مجهولة .

فقد يقع الفعل وله متعلق واجب وأخر مندوب وآخر مباح كصلاة الاستسقاء :صلى ركعتين بثياب بذلة ولها لون خاص

فالأول: واجب أي أن تكون الصلاة ركعتين

والثاني :مستحب

والثالث : مباح



والقاعدة الشرعية الجامعة في هذا الباب أن المطلوب المماثلة إذا كان متعلق الفعل مقصود على أنه شرع عندما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الفعل.

ومثال ذلك ما لو فعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرا لسبب ثم زال ذلك السبب فإنه لا يشرع ولا يكون فعل ذلك الفعل بعد زوال السبب سنة لأنه ليس للشارع غرض مقصود في ذلك السبب على أنه شرع ، ، بمعنى أنه ليس كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ما يتعلق بأفعاله من متعلقات يكون شرعا ، إلا إذا دل الدليل على أنه فعله بقصد التقرب إلى الله تعالى بخصوص ذلك الفعل ، وسيأتي مزيد إيضاح .

جهة فاعلية النبي صلى الله عليه وسلم للأفعال :

وكذلك من جهة فاعلية النبي صلى الله عليه وسلم للأحكام ، فإنه صلى الله عليه وسلم يتصرف :

1 – بمقتضى التبليغ للرسالة .

2 – بمقتضى الإمامة والسلطة العامة ومقتضاها السياسة العامة وتنفيذ الأحكام والقيام بالمصالح .

3 – وبمقتضى الإفتاء .

4 – وبمقتضى الحكم والقضاء .

نتائج مما تقدم من بيان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم :

* كانت الوسائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هي ـ في كثير من الأحيان ـ أفعاله صلى الله عليه وسلم التي يفعلها أو يأمر بفعلها أو يقر فعلها من صحابته للوصول إلى أهداف دعوته .

* والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحقق أهداف دعوته من جميع هذه الجهات

* وكان يستعمل أساليب وأسبابا معينة وترتيب إدارية كوسائل في التبليغ وممارسة السلطة وتنفيذ الأحكام والقيام بمصالح العامة والإفتاء وغيرها .

* وكثير منها إنما هو من باب الأفعال النبوية لا الأقوال التي تخضع لدلالات الألفاظ الموضوع لها لغة وشرعا .


* وأفعاله صلى الله عليه وسلم كانت في كثير من الأحيان الأسباب الطبيعية والعادية التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي أمر بتحقيقها من خلال تنوع جهات فعله صلى الله عليه وسلم من مبلغ وإمام ورئيس دولة وقائد للجيوش ومنفذ للأحكام وقاض ومفت. . . إلخ .

* وربما كانت في الأصل مباحة - لأن الفعل المجرد يدل على الإباحة - ، ولكنه استعملها ليتوصل بها إلى مستحب أو واجب من المأمورات العامة التي أمر بها ولم يتعبد بخصوص هذا الفعل وهذا السبب .

* وربها لم تكن موصلة في زمان آخر ومكان آخر لنفس المأمور ضرورة تغير الأسباب بتغير الزمان وهو من السنن الكونية المستقرة في العقول بداهة .

* فالواجب أن يسلك حينئذ ما هو مباح من الأسباب والوسائل الأخرى ويكون ذلك من سنته وشريعته .

* وربما زال السبب الذي من أجله فعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل فيزول الفعل تبعا لذلك ويكون عدم فعله من سنته وشريعته .

* وهذا كله لأن هذه هي طريقة الاستدلال الشرعي بالأفعال النبوية ، فإذا نطر إليها من خلال ما تقدم من متعلقات فعلها ، وجهات صدورها منه صلى الله عليه وسلم ، تنوعت دلالتها على الأحكام وهي تختلف بذلك عن أقواله صلى الله عليه وسلم .

استعمال النبي صلى الهل عليه وسلم للوسائل :

*والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل أفعالا لتحصيل نفع في بدن أومال له أو لغيره أو دفع ضرر كذلك أو يدبر تدبيرا في شأنه خاصة أو شئون المسلمين عامة ، لغرض التوصل لجلب نفع أو دفع ضرر ويدخل تحت ذلك :

التدبير التي اتخذه في الحرب من استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام ، وتربية الخيل للقتال ، وحفر الخنادق ، وترتيب الجيوش وتدريبها .

والتدابير التي اتخذها في الإدارة المدنية من اتخاذ الولاة والكتاب والحراس والحجاب والسفراء والأعلام والشعارات ، وقــد ألف في ذلك الكتاني كتابه ( التراتيب الإدارية ).

وكثير من الوسائل التي استعملها عليه الصلاة والسلام ـ والتي هي من جملة أفعاله ، والاستدلال بها يدخل في باب الاستدلال بالأفعال النبوية ـ اقتضت الظروف في وقته أن تكون هي الأسباب الطبيعة التي تؤدي إلى تحقيق أهداف دعوته .

وليست كلها هو متعبد بفعلها لذاتها على وجه الخصوص وكثير منها هو في الأصل فعل مجرد مباح لكنه صار واجبا لأنه يوصله إلى غرض واجب وليس بالضرورة يكون كذلك في حقنا .


أمثلة على ما تقدم وزيادة إيضاح :

فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمل أسلوب الهجرة لتكوين المجتمع الإسلامي النواة في بيئة أصلح ثم الدولة .

والهجرة كانت في حياته صلى الله عليه وسلم حدثا عظيما يشكل متغيرا تاريخيا أو كما يسمى هذه الأيام ( القرار الاستراتيجي ).

وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة كوسيلة من وسائل تحقيق أهداف دعوته ، وهي مع ذلك تدخل في الاستدلال بأفعاله صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يحتج إليها لم يهاجر ، ولو لم يقع السبب الذي اضطره إلى الهجرة لما سلك هذه الوسيلة .

فهل يجب علينا سلوك هذه الوسيلة في كل ظرف وزمان ومكان حتى لوزال السبب الذي اقتضى هذه الوسيلة ؟

وقد ظن هذا بعض الجماعات ، فأسسوا منهج الدعوة عندهم على أساس الهجرة ثم تكوين المجتمع النواة ثم الانقضاض على المجتمع الجاهلي ، وهي جماعة ( التكفير والهجرة ) .

وأغرب منهم من يستدل بالأدوات والعناصر المادية التي كان يستعملها صلى الله عليه وسلم ، على أنها مما يتبع فيه مطلقا كاستناده إلى جذع ثم المنبر وبناء المسجد من طين والمنع من مكبر الصوت في باب الترك مثلا .

وقد أُتي الجميع من قلة فقههم في وجه الاستدلال بالأدلة الشرعية عموما وبالسنة والسيرة النبوية على وفق القواعد التي ضبط بها العلماء ذلك ، وظنوا أن مقتضى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة هو فعل ما فعل مطلقا .

والاستدلال بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم - التي تعتبر وسائل الدعوة وثيقة الصلة بها -– يحتاج إلى فقه عميق ومعرفة بالقواعد والضوابط التي وضعها العلماء لتعصم من الاستدلال الجزئي أو العشوائي الذي ينظر إلى النص مقطوعا عن نظائره وعن القواعد التي يفهم من خلالها .



جماع الاستدلال بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم على مسألة وسائل الدعوة:

وجماع ذلك يرجع إلى ثلاثة أمور :

1 – أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة في الأصل إنما تدل على الإباحة لا يستدل بها بالنظر إلى ذاتها على أكثر من ذلك .

2 – أن ماكان من أفعاله صلى الله عليه وسلم قد استعملها كوسيلة من وسائل الدعوة ، إنما استعملها لأنها في زمنه وظروف بيئته هي الأسباب الطبيعية التي تحقق له أهدافه فصارت مستحبة أو واجبة تبعا لذلك .

3 أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب يتحقق بمماثلته في صورة الفعل وحكمه وسببه والمقصد منه ويتخرج من المجموع حقيقة الائتساء به .

أمثلة :

ولهذا لو اتخذ من يريد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، اتخذ شعرا طويلا وفعله على وجه القربة والعبادة فليس متأسيا به لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك على وجه الإباحة فهذا حكمه فلا يفعل إلا على وجه الإباحة .

ولو فعل شيئا كان صلى الله عليه وسلم قد فعل لسبب في غير ذلك السبب لم يكن ذلك ائتساء به كالهجرة إذا لم يقم مقتضاها .

ولو فعل شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحقق هدفا ومقصدا لا يتحقق بنفس الفعل في هذا الزمان أو المكان لم يكن ذلك ائتساء به وهذا قد بكون في العبادات أيضا .

ومن الأمثلة على هذا :ما قاله شيــــــخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ، قال : ( والأخرى – يعني الرواية الأخرى عن أحمد – يخرج ما يقتاته وإن لم يكن من هذه الأصناف ، وهو قول أكثر العلماء كالشافعي وغيره وهو أصح الأقوال فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء كما قال تعالى : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}والنبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير لأن هذا كان قوت أهل المدينة ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه ) جزء الزكاة من مجموع الفتاوى ص 69 .

فتأمل كيف جعل إخراج الزكاة من غير الأصناف المنصوص عليها والتي فعلها صلى الله عليه وسلم وكانت وسائل مواساة الفقير في زمنه ، جعل ذلك هو الصواب الموافق للشريعة المحمدية .

ومما قال أيضا : ( وهذا باب واسع قد بسطناه في غير هذا الموضع وميزنا بين السنة والبدعة وبينا أن السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعل على زمانه أولم يفعله ولم يفعل على زمانه لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه ) مجموع الفتاوى 21 / 381 .

استعمال وسائل للدعوة لم يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون من سنته :

وقوله : ( لعدم المقتضى حينئذ لفعله أو لوجود المانع منه ) هو موضع عظيم النفع فإن كثيرا من وسائل الدعوة المعاصرة هي أسباب مباحة توصل لتحقيق أهداف النبي صلى الله عليه وسلم من دعوته ولم توجد في زمنه لعدم قيام المقتضي لفعلها أو لوجود مانع منها لو زال رجعت إلى أنها مشروعة داخله في سنته وشريعته صلى الله عليه وسلم .

وقد يتنازع العلماء من أجل هذه القاعدة في أمور وقعت منه صلى الله عليه وسلم ، فيما يتعلق بالعبادات المحضة من أفعال اقترنت بها هل هي سنة ، أم لا تدل على ذلك .

قال ابن تيميه رحمه الله : ( وهذا هو الأصل فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة هل فعلها استحبابا أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها ، وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة ؟ تنازعوا في ذلك ) مجموع الفتاوى 1 / 281 .

وإذا كان هذا في مثل هذه العبادات المحضة فكيف في غيرها مما سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الوسائل والأسباب التي توصله لتحقيق أهداف دعوته العامة .

فكيف يصح أن يقال أنها توقيفية مطلقا ويغلق على المسلمين باب الاجتهاد فيها والقياس ، وكيف يمكنهم أن يحققوا أهداف الدعوة الإسلامية مع تغير الزمان والمكان واقتضاء ذلك لتغير الأسباب والوسائل ، إذا كانوا يرفضون هذه الأسباب التي لا تدل الشريعة أصلا على تحريمها وإنها هي من المباح .

وبهذا يتبين أن القول بأن وسائل الدعوة توقيفية ليس بوجيه ، وإن كان قد يقوله من أهل العلم والفضل من هو منهما بمكان .




شبهة للعلمانيين والرد عليها :

ولا يلتفت إلى ما تشغب به الأحزاب العلمانية الضالة على الشريعة من خلال هذه الأصول الشريفة.

وهم يتعلقون بكثير من كلام علماء الإسلام وقواعد الفقه العامة ،لكنهم يضعونها في غير موضعها ويشبهون بها على ضعاف العقول ومرضى القلوب ، ولهذا نجحوا في الترويج لمذهبهم وبدعتهم الشنيعة في بلاد المسلمين وأشكل كلامهم ـ كقولهم بأن إقامة الدولة وترتيب الإمامة بل وإقامة الحدود وسائل لتحقيق أهداف وروح الديــن الإسلامي وأن ذلك يتحقق بغيرها في هذا الزمان ـ أشكل ذلك على كثير من المنتسبين إلى العلم الشرعي فتخبطوا في فقه السنة.

وجماع الجواب على ما تعلقوا به أن يقال :

أن جوانب الحياة البشرية لا تخرج عن ثلاثة أقسام :

القسم الأول :

جوانب ثانية متعلقة بحقيقة الإنسان ذاته في أي مكان وزمان وجد ، وتلك حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، فجاءت الشريعة الحكيمة له بأحكام تفصيلية ثابتة بثباتها ، كالعبادات المحضة من صلاة وصيام وحج وأحكام الطهارة والأسرة والمحرمات المفق عليها المغروس في فطرة الإنسان قبحها كالزنا والسرقة والخيانة . . . إلخ .

القسم الثاني :

جوانب ثابتة الغاية والهدف ولكنها متغيرة الوسائل والأساليب والطرق التي تؤدي إلى الغاية حسب سنة الله الكونية مثل طريقة الحكم ورسم المنهج الاقتصادي والخطة التعليمية . . . إلخ .

فهذه وضعت لها الشريعة قواعد وضوابط عامة لا يجوز الخروج عنها .

فالحكم يقوم على أصول منها : أن يكون يما أنزل الله وأن يكون بالشورى ويراعي فيه العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان . . إلخ . وتركت الوسائل إلى اجتهاد الأمة مثل كيفية تنظيم الشورى ومبايعة الحاكم وتحديد المصلحة والمفسدة . . . إلخ .

والاقتصاد يقوم على أن المال لله تعالى والناس مستخلفون فيه وعلى تحريم أكل الناس بالباطل وتحريم الربا وما ورد في النصوص من المعاملات المحرمة .

أما الوسائل كأسلوب وضع الخطط الاقتصادية التي تنهض باقتصاد الأمة داخل إطار الأحكام الشرعية وكيفية التعامل في الأسواق وتنظيم دور داخل في اجتهاد الأمة على أن يراعى فيه تحقيق المصالح الشرعية وفق قواعد وأحكام الشرع العامة .

القسم الثالث :

ما سوى القسمين السابقين من الأمور المباحة التي اقتضت حكمة الله تعالى أن يتعلمها الإنسان يما أودع الله فيه من العقل ، كالا كتشافات العلمية والأنشطة البشرية التي لا تدخل في حكم الواجب أو المسحب أو المكروه أو الحرام فهي من المباح .

كشئون الصناعة والزراعة والعمارة ومظاهر الحياة المادية وغيرها .

فهذه مسكوت عنها رحمة لا نسيانا –لأنها تخضع للتجربة البشرية وسريعة التغير والتطور في حياة البشر فتركت لهم .

لكنها تقع تحت الغاية الأساسية من الوجود وهي عبادة الله ، إذا توصل بها المسلمون إلى تحقيق علو كلمة المسلمين على غيرهم ورفع دين الإسلام على الدين كله .

وقد يدخل شيء منه في الأحكام التكليفية الأربعة إذا اقترن به أمر خارج عنه فيصير تبعا لذلك واجبا أو محرما أو مستحبا أو مكروها ، أما بالنظر إلى ذاته فهو مباح .

وبالجملة فإن جوانب الحياة البشرية لا تخرج عن هذه الأقسام ، وتصير الأحكام الشرعية بتعا لذلك قسمين :

قسم قد جاء فيه نصوص خاصة تفصيلية ثابتة ،وهو في الجوانب الثابتة التي لا تختلف باختلاف الظروف إلا ما كان من متعلقات ثانوية قد تتغير كالمثال المتقدم في زكاة الفطر .

وقسم جاءت النصوص فيه عامة وأمر المسلمون أن يحققوه بأي وسيلة مباحة .





من محاسن الشريعة الإسلامية :

وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية ، لأن الحياة فيها ما هو متغير ومتطور فأنزل الله نصوصها قابلة لهذا التغير والتطور ومنها ما هو ثابت فجاءت النصوص كذلك ، ولهذا بقيت الشريعة صالحة لكل زمان ومكان .
ومن الأمثلة على ذلك أن الله تعالى علق بعض الأحكام على الإسم العام كالسفر ليدخل فيه كل سفر وإن كانت مدته قصيرة كسفــر الطائرة مثلا – وذلك ليستوعب الحكم تغير الزمان ، وأمر بالإنفاق من السعة ليقبل ذلك اختلاف الزمان والمكان وأعراف الناس .

وكل ذلك عمل بالشريعة كل في بابه التوقيفي وغير التوقيفي .

وقد وضع القائلون بأن وسائل الدعوة توقيفية غير التوقيفي في القسم التوقيفي ، وذلك يلزم منه إدخال الدعوة في حرج عظيم وتضييق لما وسع الله ، مما يؤثر على صورة سماحتها وقابليتها لمواكبة المتغيرات في زمن نحن أحوج ما نكون إلى إظهار ذلك .

خلاصة مهمة :

وبهذا يتبين أن القول بأن الوسائل توقيفية يعني أن وسائل الدعوة في عهد النبوة لا يجوز لأحد أن يسلك غيرها ولا يتخذ سواها للوصول إلى أهداف الدعوة الإسلامية ، وهذا يقتضي أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة واجبة الاتباع وليس مباحة في الأصل ، لأن الوسائل التي اتخذها صلى الله عليه وسلم هي من أفعاله ، والقول بأنها واجبة الاتباع خلاف الصواب .

كما أن القول بأن الوسائل توقيفية يقتضي أن نخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في مقصده من سلوك وسائله ، لأنها في زمنه كانت تؤدي إلى مقاصده ، وقد لا تؤدي في غير زمنه نفس المقاصد ، وذكرنا على هذا مثال إخراج زكاة الفطر من الأصناف التي أخرجها صلى الله عليه وسلم ، فلو قيل إن هذه الوسيلة في مواساة الفقير توقيفية ، لأدى ذلك إلى الوقوع في حرج كبير ، إذ قد لا تحصل مواساة الفقير في كل زمان ومكان بنفس الذي حصل في زمنه صلى الله عليه وسلم .

والنتيجة أن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم المجردة حكمها الاباحة ، والقول بأن الوسائل توقيفية يؤدي إلى أن تكون واجبة ، وأن فعل الوسائل التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم قد لايؤدي إلى مقاصد الشريعة بل إلى ضدها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها لأنها في زمنه تؤدي إلى مقاصده ، ولو لم تكن كذلك لما فعلها ، فليس فعلها لذاته هو المطلوب ، وإنما مجموع فعلها المؤدي إلى مقاصدها هو المطلوب .
وبهذا يتبين أن القول بأن الوسائل توقيفية في غاية الضعف .
استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لوسائل الدعوة :

وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ، لإنجاح دعوته أتم وأكمل وأفضل الأسباب والوسائل في عصره فقد :

1ـ استعمل أسلوب الأهداف المرحلية فبدأ بالدعوة الفردية مع شيء من السرية ثم انتقل إلى مرحلة الجهر .

2ـ واستعمل التمرحل أيضا في التنفيذ فقد أمر أولا بكف الأيدي وعدم استعمال العنف ثم أذن فيه ثم أمر به كما أوحى الله إليه وعلمه .

3ـ واستعمل أسلوب التراكم الكمي الذي يؤدي إلى التغير الكيفي فقد امتلأت المدينة من أتباعه وحرص على نشر دعوته فيها قبل قدومه ليؤدي ذلك إلى التغير الكيفي بالتدريج .

كما قال جابر رضي الله عنه : (( حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا ودخله الإسلام )) رواه أحمد.

4ـ واستعمل تغيير البيئة وإيجا بيئة أفضل للدعوة كما في قصة الهجرة ، ولم يبق في مكة حيث البيئة لم تعد صالحة لبقية الأهداف المرحلية .

5ـ واستعمل أسلوب تغيير بعض مراحل الخطة إذا اقتضى الأمر ذلك كما فعل في الحديبية .

6 ـ واستعمل أسلوب الحرص على مراكز القوة في المجتمع ولهذا كان – أحيانا – ينتقي في الدعوة فأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان معروفا في قريش مؤثرا في الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على إسلام عمر . رواه أحمد وغيره .

7ـ وكان يستعمل أساليب الأعلام الأكثر تأثيرا كالشعر فاتخذ شاعرا هو كعب بن مالك .

ومما يدل على تمام حكمته وعلمه عليه الصلاة والسلام أنه عندما جاءه وفد الأنصار فوافوه شعب العقبة آخر العهد المكي قال للعباس هل تعرف هذين الرجلين قال العباس : نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك، قال كعب : لا أنسى قول النبي صلى الله عليه وسلم : الشاعر؟ قال نعم .

فكأنه أعجبه صلى الله عليه وسلم أن يكون معه شاعر ليكون جهازا إعلاميا لدعوته في العرب .

ولهذا اتخذ خطيبا أيضا هو ثابت بن قيس .

8ـ وكان حريصا على السمعة الحسنة لدعوته وتكثير المؤيدين ، ومن ذلك ما كان يفعله في المؤلفة قلوبهم وقد عفا عن ذلك الإعارب الذي سل سيفه وهو نائم فوجده قائما وبيده السيف على رأس النبي صل الله عليه وسلم وهو يقول من يمنعك منى ؟ قال : (( الله )) فسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : (( من يمنعك منى ؟ )) قال الأعراب : كن خير آخذ، فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ، وانطلق الأعرابي يثني على النبي صلى الله عليه وسلم في قومه .

9ـ وكان يسلك وسلية التربية القيادية الخاصة والتوجيه والإرشاد العام لتوسيع القاعدة الشعبية .

10ـ واستعمل أسلوب التمرحل من التجنيد إلى التمنيخ .

11ـ وكان يقسم معارضوه إلى درجات متفاوتة ويحرص على تميز هذه الدرجات ( مناصر ، مؤيد، محايد ، عدو محارب ، عدو غير محارب )

12ـ وكان يحرص على الروابط بين القيادين في دعوته ويدل عليه مصاهراته للقادة وهم خلفاءه من بعده .

13ـ واستعمل أسلوب الهيكل التنظيمي كما نقب النقياء في بيعة العقبة .

14ـ واستعمل أسلوب الإفادة من الوضع السياسي القائم كما أمر أصحابه بالهجرة إلى النجاشي لعدله .

15ـ وأسلوب التخلي عن بعض المصالح الجزئية طلبا لما هو أعظم منها والرجوع خطوة إلى الوراء لكسب خطوتين إلى الأمام كما في صلح الحديبية

16ـ واستعمل أسلوب الثواب والعقاب المادي والمعنوي كما في قصة المخلفين وغيرها كثير .

17ـ وكان يستعمل في الجهاد الذي كان أعظم وسيلة لتحقيق أهداف دعوته ، واستعلم فيه –كل الوسائل المباحة المشروعــة التي أتيحت له في عصره :

كالحصار ، وضرب الخندق ، والمباغتــة ، والمخابرات ، والحرب النفسية ( شعر حسان ) ، ووسائل الاتصال كما في غزوة حنين ، ونداء أصحاب السمرة ، ورفع الروح المعنوية في الأنشودة كما في أثناء حفر الخندق ، وإرهاب العدو ( نصرت بالرعب ) و ( قتل الأسرى ) ، والمهادنة ، والتوقيت المناسب للحرب ، والاغتيال ، وجر الخصم إلى المعركة ، وفتح الجبهات على العدو لإشغاله كما في قصة الخندق .


وغيرها كثير جدا ، وكثير منها سلكها النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنها الأسباب الطبيعية المؤدية إلى مقاصده في زمنه صلى الله عليه وسلم ، وليس لأنه متعبد بخصوصها كما هو متعبد بالعبادات التوقيفية .

ماذا يترتب على القول بأن وسائل الدعوة توقيفية :

والقول بأن وسائل الدعوة توقيفية يترتب عليه إلغاء أي وسيلة لم تكن على عهد صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت مباحة في شريعته وإن أدت إلى تحصيل مصلحة شرعية توافق سنته ودينه .

وفي هذا العالم المعقد المتطور تطورا سريعا، حيث يقف الدعة وأمامهم معركة متشابكة الأطراف متداخلة الأهداف ، في عالم قامت فيه أحدث المؤسسات الثقافية والاتصالاتية والإعلامية والسياسية والتجارية والتكنولوجيا المتطورة .

كيف ينتصرون في معركتهم مع أعداء الإسلام ؟ بل كيف يبقون في ميدان الصراع مع عدم الأخذ بالوسائل والأسباب الحديثة التي يكافئون أو يقاربون بها أعداؤهم إذا لم تدل الشريعة على تحريمها .

بعض صور الوسائل الحديثة :

وفي مجال العمل الدعوى المنظم ، يحتاج الدعاة –في كثير من البلاد إلى عمل منظم جماعي حركي ذو آلية متطورة – يتخذ فيه القرار بناء على معلومات دقيقة عن المجربات اليومية المتلاحقة فحسابات فمعرفة بالبدائل فدرجة مخاطرة ثم ينتج القرار الذي يكون مصيريا في كثير من الأحيان يحتاج فيه إلى معلومات تجمعها لجان متخصصة متابعة للأحداث وذلك كله لا يتم على الوجه المطلوب إلا باستعمال وسائل الإدارة الحديثة ونظرياتها .

ويحتاج فيه إلى منهجية دقيقة للاتصال الداخلي وتقويم للعلم الحركي مستمر، وماخ تنظيمي سليم وتخطيط ومتابعة وتطوير ، حتى لو لم يكن كل ذلك سريا ، بل علني تسمح به الدولة.

فهذا ما يتعلق بنظام الدعوة الداخلي .

أما في المجال الخارجي عن جسمها ، فإنا – مثلا –قد تواجه نظاما جديدا تعيش فيه ، تضطر إلى سلوك أساليب معينة للمحافظة على الدعوة قد لا تناسب بيئة أخرى .

ومن ذلك أنه قد يكون ( ولي الأمر ) هذا الإسم الشرعي ، هو في الواقع عبارة عن مؤسسات مترابطة ، وشبكة من الإدارات السياسية تؤثر في درجة وجودها وقوتها وبقائها عوامل خارجية سياسية ، وقوة اقتصادية ، وثقل عائلي أو طبقي .

وقد تكفل هذه المؤسسات بطبيعتها ، أساليب مسموح بها للضغط على الحاكم ، لأن الحكومة تعتبر طرفا في هذه المؤسسات لا أكثر، ونكاما لنزع الثقة من الحكومة أو من وزير من وزارئها .

ويضمن أن لا يصيب الداعين إلى ذلك ضرر ما يسمى بالحصانة البرلمانية .

فكيف تتعامل الدعوة مع هذا الوضع وهل تفهم النصوص الشرعية في ولاة الأمر بأن تضعها في غير موضعها كما في هذا المثال .

وهل تبقى الدعوة بعيدا عن التأثير في الأحداث وكسب المواقف لصالح أهدافها من خلال الظروف الجديدة التي تكتســـح العالم هذه الأيام بما يسمى ( بالديمقراطية ).

أم يجوز أن تسلك هذه الوسائل ، مما يحتاج من الدعاة إلى فهم ووعي لأساليب ( العمل السياسي ) في الدولة وكيفية التعامل مع كل طرف منها ، وكيف تناور لتكسب ، أو تخسر شيئا لتكسب شيئين ، وكيف تحافظ على التوازن بين الضوابط الشرعية والمواقف التي يضطرها إليها دخولها المعترك السايسي لتحافظ على نفسها ؟

مما يجعلها محتاجة إلى منظومة من الإدارات السريعة الحركة والحكيمة والمترابطة ونظاما للمعلومات وانسيابا في الخطوات المرحلية يتناسب مع سرعة التغيرات في الساحة ؟

وقد يحتاج إلى قدر من السرية ، لأنها في معترك سياسي تتنافس فيه الأحزاب على ضرب بعضها بعضا وتستفيد من المعلومات الداخلية لكل حزب بشكل مؤثر وخطير .

توسيع دائرة وسائل الدعوة ضرورة لتغيير واقع المسلمين في بعض البلاد :

ومما يستعمله الدعاة في بعض البلاد –هذه الأيام ويمكن بواسطته تغيير كثير من واقع المسلمين إلى الأفضل ، ولوج الاتحادات الطالبية ، ونقابات العمال والمعلمين ونحو ذلك ، والمجالس النيابية أو غيرها مما يحتاج في القيام بأعبائه إلى عمل دؤوب ولجان متخصصة ، وهي وسائل لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ، ولو تركت بهذه الحجة بناء على أن وسائل الدعوة متوقفة على نصوص خاصة لأنها توقيفية ، لأدى ذلك – في بعض البلاد –إلى استغلال أهل الفساد وأعداء الدين وأصحاب المذاهب العلمانية لها لاجتيال شعائر الدين في المجتمعات الإسلامية وما أحرصهم على ذلك .



يجوز استعمال الوسائل المحرمة أحيانا :

بل إنه يجوز على الصحيح استعال وسائل تقترن بمحرم في الأصل إذا دخل ذلك في قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين ) وقد جاء في الشريعة ما هو أصل لذلك ، وهو إباحة الكذب في الإصلاح بين الناس ، لأن مفسدة فساد البين أعظم من مفسدة الكذب ، ولا يعني هذا استعمال الكذب في مصلحة الدعوة ، فإنه ليس من مصلحة الدعوة في شيء ، بل أعظم مصلحة للدعوة إنما تكون في الصدق ، والصدق يجب أن يكون شعارها ، والدعاة أولى الناس بأن يكونوا أصدق الناس فإن الكذب من شعب النفاق .

وإنما المقصود إعمال هذه القاعدة الشرعية في مواضعها إذا تحققت شروطها ، وأن هذا يجوز – أيضا – في وسائل الدعوة بحسب الضوابط الشرعية.

خلاصة البحث :

وبهذا يتبين – إن شاء الله – أن وسائل الدعوة الأصل فيها أنه يجوز استعمال المباح منها ولا يتوقف ذلك على نص خاص يدل على مشروعية استعمالها بخصوصها ، وأن القول بأنها توقيفية بعيد عن قواعد الفقه وأصول الاستدلال الصحيح بأدلة الشرع والله أعلم .

فتوى للشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين :

ومما قاله العلامة الفقيه محمد الصالح العثيمين رحمه الله : ( والوسائل ليس لها حد شرعي ، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود ، ما لم بكن منهيا عنه بعينه ، فإن كان منهيا عنه بعينه فلا نقربه ، فلو نقربه ، فلو قال : أنا أريد أن أدعو شخصا بالغناء والموسيقى لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذبا له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح له ذلك ؟ لا ، لا يجوز أبدا ، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها ، فالوسائل غير المقاصد وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها يقول هذه جائزة وهذه غير جائزة ، لأن الوسائل لا حصر لها ، ولا حد لها ، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير )، لقاء الباب المفتوح رقم 15 ص 49 .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
حامد بن عبدالله العلي
asim
asim
Admin

المساهمات : 208
تاريخ التسجيل : 21/01/2011
العمر : 42
الموقع : السودان

https://althagalin.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى